{يا إبراهيم أعرض عن هذا} الجدال، وخرجوا من عنده فأتوا قرية قوم لوطٍ، وذلك قوله: {ولما جاءت رسلنا لوطاً سِيءَ بهم} حزن بمجيئهم؛ لأنَّه رآهم في أحسن صورةٍ، فخاف عليهم قومه، وعلم أنَّه يحتاج إلى المدافعة عنهم، وكانوا قد أتوه في صورة الأضياف {وضاق بهم ذرعاً} أَيْ: صدراً {وقال هذا يوم عصيب} شديدٌ. ولمَّا علم قومه بمجيء قومٍ حسانِ الوجوه أضيافاً للوط قصدوا داره، وذلك، قوله: {وجاء قومه يهرعون إليه} أَيْ: يُسرعون إليه {ومن قبل} أَيْ: ومِنْ قبل مجيئهم إلى لوطٍ {كانوا يعملون السيئات} يعني: فعلهم المنكر {قال يا قومِ هؤلاء بناتي} أُزوِّجكموهنَّ ف {هنَّ أَطْهَرُ لكم} من نكاح الرِّجال. أراد أن يقي أضيافه ببناته {فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} لا تفضحوني فيهم؛ لأنَّهم إذا هجموا إلى أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة {أليس منكم رجل رشيد} يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} لَسْنَ لنا بأزواجٍ فنستحقهنَّ {وإنك لتعلم ما نريد} أَيْ: إنَّا نريد الرِّجال لا النِّساء.{قال لو أنَّ لي بكم قوَّة} لو أنَّ معي جماعةً أقوى بها عليكم {أو آوي} أنضمُّ {إلى ركن شديد} عشيرةٍ تمنعني وتنصرني لَحُلْتُ بينكم وبين المعصية، فلمَّا رأت الملائكة ذلك،{قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} بسوءٍ فإنَّا نحولُ بينهم وبين ذلك {فأسرِ بأهلك بقطع الليل} في ظلمة اللَّيل {ولا يلتفت منكم أحد} لا ينظر أحدٌ إلى ورائه إذا خرج من قريته {إلاَّ امرأتك} فلا تسرِ بها، وخلِّفها مع قومها؛ فإنَّ هواها إليهم و{إنَّه مصيبها ما أصابهم} من العذاب {إنَّ موعدهم الصبح} للعذاب، فقال لوط: أريد أعجلَ من ذلك، بل السَّاعةَ يا جبريل، فقالوا له: {أليس الصبح بقريب}.{فلما جاء أمرنا} عذابنا {جعلنا عاليها سافلها} وذلك أنَّ جبريل عليه السَّلام أدخل جناحه تحتها حتى قلعها، وصعد بها إلى السَّماء، ثمَّ قلبها إلى الأرض {وأمطرنا عليها حجارة} قبلَ قلبها إلى الأرض {من سجيل} من طينٍ مطبوخٍ، طُبخ حتى صار كالآجر، فهو سنك كل بالفارسية، فَعُرِّب، {منضود} يتلو بعضه بعضاً.{مسوَّمة} مُعلَّمةً بعلامةٍ تُعرف بها أنَّها ليست من حجارة أهل الدُّنيا {عند ربك} في خزائنه التي لا يُتصرَّف في شيءٍ منها إلاَّ بإرادته {وما هي من الظالمين ببعيد} يعني: كفَّار قريش، يُرهبهم بها.